تصنیف المقالات احدث المقالات المقالات العشوایئة المقالات الاکثرُ مشاهدة
■ مقالات (٥٧)
أزمة المحْدثين بين الافراط في التصنع والتفريط بالمصطلح
أسباب نزول القرآن، أهميتها وطرقها وحجيتها ومصادرها
باب (من لم يرو عن الأئمة عليهم السلام) فيرجال الشيخ الطوسي
البلاغات من أساليب الأداء للحديث الشريف في التراث الإسلاميّ
البناء على القبور
تأبين الإمام الخمينيّ قدس سرّه
تأبين السيد الخوئيّ قدس سرّه
التأثير المتبادل بين القرآن والحديث في مجال التأكيد والتحديد
تحملُ الحديث بالإجازة، واجبٌ مُلح في العصر الحاضر
تدوين السنّة أم تزييف الشريعة؟ في النقد العلمي
التسميات طليعة المؤلّفات في الحضارة الاسلامية موضوعها، ومنهج تأليفها وفهرستها
تتميم النظر في التقديم لمقتضب الاثر
الثقلان ودورهما في دعم السُنّة
جراب النورة بين اللغة والاصطلاح
حجّية الحديث المُعَنْعَن، وما يُثار حوله شبهةٌ في قبال البديهة
الحشوية نشأةً وتاريخاً (القسم الأول)
السنّة النبوية الشريفة وموقف الحكّام منها تدوينا وكتابة ونقلاً وتداولاً
الشيخ الطوسيّ وتراثه الحديثيّ
الحشوية أراء وملتزمات (القسم الثاني )
صِيَغ الأداء والتحمّل: تاريخها، ضرورتها، فوائدها، اختصاراتها
ضرورة تطويع الممارسات للانتهال من معين الحديث الشريف
ضرورة النقد العلمي في مجال تحقيق التراث
العبث بالتراث بين عمالة العلمنة ونفاق الاسلمة
علم الأئمة عليهم السلام بالغيب، والاعتراض عليه بالإلقاء في التهكلة، والإجابات عنه عبر التاريخ
علوم الحديث بين سعة الآفاق و محدوديّة الأعمال
عناوين الأبواب وتراجمها في التراث الإسلامي :حجّيتها، أغراضها مصادرها،ودلالاتها
فرق الشيعة أو مقالات الإمامية ؟ للنوبختي أم للأشعري؟
فوات فهرس الفهارس والأثبات، بذكر بعض ما للإمامية من الإجازات، في الفهرسة
التقية في الثقافة الاسلامية
الكرامات
الكنية، حقيقتها وميزاتها، وأثرها في الحضارة والعلوم الإسلامية، في علوم العربية، الأدب
لماذا الإمام عليه السلام
مجددو المذهب وسماتهم البارزة
المصطلح الرجالي>أسند عنه< ما هو وما هي قيمته الرجالية؟
مقال حول الصحيفة السجّادية
مقدمة (لوامع الأنوار)
مقدمة (المقنع في الإمامة)
مقولة جسم لا كالأجسام، بين موقف هشام بن الحكم ومواقف سائر أهل الكلام
من أدب الدعاء في الاسلام ضبطه عند الأداء والتحمل وتنزيهه من اللحن والتحريف ودعوة الى إحيائه وتحقيق كتبه
موقف أهل الكتاب من الحق بين الإلتزام والتصرفات المريبة
النكت الخفية في النادرة الشريفيّة
همزية البوصيريّ والتراث الذي دار حولها

البلاغات من أساليب الأداء للحديث الشريف في التراث الإسلاميّ

بسم الله الرحمن الزحيم

 

لقد تحدّثنا حول صيغ التحمّل والأداء للحديث الشريف في بحثين مطوّلين نشرا في فترات سابقة ; احدهما استوعب سائر الألفاظ ، والآخر اختص بما داز حول لفظ « عن » من الأبحاث ; لغةً واصطلاحاً .

و ذكرنا في البحث الثاني أن لكلمة « عن » في الأسانيد حالات عديدة فصّلنا الكلام عنها وبفيت حـالة  أُخرى  لاسـتعمال  « عن »  هي  الرابعـة  ،  لم  يـذكرهـا  علماء الحديث  مع أنها متداولة ، وهي  المستعملة  مع  قول  الراوي  :  « بلغني  عن  فلان »  .

وقد  وقع  هذا  في  تراث  العامّة  بكثرة  ،  وورد  في  تراثنا  قليلا  جدّاً  ، وموارده  على  قلّتها  ظاهرة  في  الانقطاع  .

ــ[2]ــ

مثل  ما  أُسند  إلى  ابن  سيّابة  ،  قال  :  بلغنا  عن  أبي  جعفر (عليه السلام)(1)  .

والراوي  لم  يلق  أبا  جعفر (عليه السلام)  كما  يظهر  من  كتب  الرجال  .

وما  نُقـل  عن  نصـر  بن  قـابوس  في  قولـه  لأبي  الحسـن  المـاضي(عليه السلام)ـ  وهو  الإمام  الكاظم (عليه السلام)  ـ  :  بلغني  عن  أبيك(2)  .

ويقصد  بقوله  :  « أبيك »  جدّه  الإمام  الحسـين (عليه السلام)  ،  فليلاحظ  .

ويمكن  أن  يُفهم  عدم  إرادة  الاتّصال  من  أنّ  الراويَـيْن  هنا  بصدد الاحتجاج  والاستدلال  ،  لا  النقل  والرواية  .

نعم  ،  ورد  في  بعض  أحاديث  الإمام  الباقر  أبي  جعفر (عليه السلام)  قوله  : « بلغني  أنّ  النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)  قال »(3)  .

أو  :  « بلغني  أنّ  رسول  الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  كان  يقول »(4)  .

وهو  حديث  مؤنّن  ،  وليس  بمعنعن  ،  وهو  يفيد  تحقيق  بلوغ  المرويّ إلى  الراوي  الذي  هو  الإمام (عليه السلام)  .

مع  أنّ  البحث  عن  روايات  الأئمّة (عليهم السلام)  يختلف  ،  لِما  ثبت  في  حقّهم مِن  كون  ما  يروونه  كلّه  متّصلا  بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)  وإن  كان  بظاهر  الإرسال  ،  لِما ثبت  عنهم  من  القاعدة  العامّة  في  أنّ  حديثهم  حديث  آبائهم  عن  جدّهم 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  المحاسن  ـ  للبرقي  ـ  1 / 296  .

(2)  المؤمن  ـ  للأهوازي  ـ  :  47  .

(3)  المحاسن  1 / 60  .

(4)  المحاسن  2 / 461  .

ــ[3]ــ

صلّى الله  عليهم  أجمعين  ،  وقد  أثبتناه  في  موضع  آخر(1)  .

كمـا  وردت  كلمـة  « بلـغ »  متعـدّيـة  بالبـاء  في  قـول  الراوي  « بلـغ  بـه أبا  عبـد الله (عليه السلام) »(2)  و « بلغ  به  زرارة »(3)  .

ولا  ريب  أنّ  المقصود  معناها  اللغوي  بمعنى  « رفع »  ونحوه  .

وأكثر  ما  استعمله  من  العامّة  هو  مالك  بن  أنس  ـ  صاحب  « الموطّـأ »  ـ حتّى  اشتهرت  موارده  بـ  :  « بلاغات  مالك »  .

ويقال  في  التعبير  عنه  عند  الأداء  :  « قال  في  ما  بلغه »  أو  « رواه بلاغاً »  .

والفعل  « بَلَغَ »  بمعنى  وَصَلَ  ،  وفاعله  الحديث  البالغ  إلى  الراوي  ، والمجرور  بـ  « عن »  هو  المبلَّغ  عنه  ،  وأمّا  المبلِّغ  فهو  غير  مذكور  في  ظاهر اللفظ  ،  فيكون  الحرف  « عن »  بمعنى  « التجاوز »  على  ما  هو  الأصل  فيه  ، والمعنى  :  أنّ  الحديث  تجاوز  فلاناً  وبَلَغني  ،  والواسطة  في  النقل  عنه  إلى الراوي  غير  مذكورة  .

هذا  ما  استظهره  المحدّثون  من  البلاغ  ،  وحملوا  عليه  بلاغات  مالك بالخصوص  .

والدليل  على  هذا  الاستظهار  أُمور  :

1  ـ  قال  المارديني  :  ما  ذكره  أبو  عبيدة  بلاغ  لم  يُذكر  مَنْ  بلّغه  ليُنظر  في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  راجع  بحث  « أسند  عنه »  المنشور  في  مجلّة  « تراثنا »  العدد  الثالث  ،  السنة  الأُولى  .

(2)  المحاسن  2 / 622  .

(3)  المحاسن  2 / 465  .

ــ[4]ــ

أمـره(1)  .

2  ـ  تعبيرهم  عن  المرسَل  وغير  المتّصل  بـ  « البلاغ »  :

قال  البيهقي  في  حديث  رواه  أبو  بكر  ابن  حزم  :  لم  يسمعه  من  ابن مسعود  الأنصاري  ،  وإنّما  هو  بلاغ  بلغه  ،  وقد  روي  ذلك  في  حديث  آخر مرسَـل(2)  .

وقال  ـ  أيضاً  ـ  في  حديث  لابن  سيرين  وقتادة  عن  ابن  عبّـاس  :  هذا بلاغ  بلغهما  ،  فإنّهما  لم  يلقيا  ابن  عبّـاس(3)  .

ونقله  المارديني  عن  البيهقي  في  الخلافيّات  ،  في  حقّ  ابن  سيرين  عن ابن  عبّـاس  .

3  ـ  حكمهم  على  ما  أورده  مالك  بلاغاً  ،  بالإرسـال  ـ  تارةً  ـ  وبالانقطاع ـ  أُخرى  ـ  وبالإعضال  ـ  ثالثة  ـ  :

1  ـ  فقد  نفوا  أن  يكون  « الموطّـأ »  من  كتب  الصحاح  ـ  كما  ادّعاه بعضهم(4)  ـ  استناداً  إلى  ما  فيه  من  « المراسيل »  التي  هي  بلاغاته(5)  .

2  ـ  جزم  الشافعي  ـ  إمام  المذهب  ـ  في  رواية  رواها  مالك  بلاغاً  ،  بأنّ طرقه  ليس  فيها  شيء  موصول(6)  .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  الجوهر  النقي  8 / 31  .

(2)  السنن  الكبرى  1 / 362  .

(3)  السنن  الكبرى  1 / 266  والجوهر  النقي  1 / 266  .

(4)  لاحظ  مقدّمة  ينابيع  المودّة  ـ  للقندوزي  ـ  :

(5)  الباعث  الحثيث  :  31  ـ  32  ،  علوم  الحديث  ـ  لصبحي  الصالح  ـ  :  304  .

(6)  لاحظ  :  فتح  العزيز  9 / 150  ـ  151  والنووي  في  المجموع  13 / 52  .

ــ[5]ــ

وقال  ابن  الصلاح  في  بلاغ  له  :  فهذا منقطع  ;  لأنّ  الزهري  لم  يسمع  من ابن  عبّـاس(1)  .

وقال  الأندلسي  :  هذا  الحديث  عند  مالك  بلاغ  لم  يُسـنده(2)  .

3  ـ  وحكموا  على  بعض  بلاغاته  بالإعضال(3)  .

4  ـ  محاولة  بعضهم  أنّ  يجد  للبلاغات  طرقاً  أُخرى  يثبت  بها  الاتّصال  ، كما  سيأتي  ،  فإنّ  هذا  يدلّ  على  عدم  اتّصال  البلاغ  في  نفسه  .

ومن  هنا  فإنّ  البلاغ  ـ  في  نفسه  ـ  إنّما  هو  من  نسق  المرسَل  أو  المنقطع أو  المعضل  ،  وكلّ  واحد  من  هذه  يُعدّ  قسيماً  « للصحيح »  عند  العامّة  ،  وهو يشترط  فيه  الاتّصال  ،  وكلّ  واحد  منها  أسوأ  حالا  من  الآخر(4)  .

وهذا  هو  الأصل  والقدر  المتيقّن  الذي  يمكن  أن  يقال  في  حقّ البلاغات  .

ولقد  تجرّأ  ابن  حزم  على  الإفصاح  عن  هذه  الحقيقة  في  بعض الموارد  ،  فقال  في  ( بلاغ )  نقله  عن  « الموطّـأ »  :  هذا  « بلاغ »  لا  يصحّ(5)  .

وقال  في  مورد  آخر  :  هو  عن  ابن  عمر  « بلاغ »  كاذب(6)  .

كما  استضعف  البيهقي  وغيره  بعض  ما  روي  بالبلاغ(7)  .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  علوم  الحديث  :  43  .

(2)  معجم  ما  استعجم  4 / 1190  .

(3)  علوم  الحديث  ـ  لابن  الصلاح  ـ  :  60  ـ  61  .

(4)  علوم  الحديث  ـ  لصبحي  الصالح  ـ  :  172  ـ  173  ،  ولاحظ  :  منهج  النقد  :  251  .

(5)  المحلّى  3 / 88  .

(6)  المحلّى  8 / 444  .

(7)  السنن  الكبرى  4 / 222  والجوهر  النقي  4 / 223  .

ــ[6]ــ

وللدهلوي  كتاب  « المصفّى »  باللغة  الفارسية  ،  شرح  فيه  « الموطّـأ »  ، فجرّد  فيه  الأحاديث  ،  وحذف  أقوال  مالك  وبعض  بلاغاته(1)  .

وممّا  يدلّ  على  أنّ  البلاغ  في  نفسه  مؤدّ  إلى  التوقّف  ،  هو  ما  ذكره  ابن حجر  في  ترجمة  ( محمّـد  بن  الحسن  بن  محمّـد  رضي  الدين  الأسعد ) بقوله  :  كان  بعض  أُصوله  ( بلاغات )  فيها  نظر(2)  .

والتفريق  بين  هذا  الرجل  ،  وبين  رجل  مثل  مالك  ،  لمجرّد  التشخُّص من  التجوّه  المذموم  قطعاً  .

وقد  بُذِلتْ  محاولات  يائسة  ،  للخروج  من  الحكم  على  بلاغات  مالك بالانقطاع  ،  أو  الضعف  :

منها  :  محاولة  إيصال  الأحاديث  المرويّة  بالبلاغ  من  طرق  أُخـرى  :  فقد أجهـد  ابن  عبـد البرّ  نفسـه  في  « التمهيـد »  فوصـل  بلاغات  مالك جميعـاً خـلا  أربعة  أحاديث  لم  يصل  أسانيدها(3)  .

لكنّ  ابن  الصلاح  وصل  الأربعة  الباقية  في  جزء  خاصّ(4)  .

وألّف  العلاّمة  المحدّث  أحمد  بن  محمّـد  بن  الصدّيق  الغماري  كتاب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  فهرس  الفهارس  :  1121  .

(2)  لسان  الميزان  5 / 127  رقم  428  .

(3)  الموطّأ  ـ  المقدّمة  ـ  1 / دال  ،  وممّا  لم  يوجد  لها  أصل  ما  ذكره  ابن  حجر  في  لسان الميزان  3 / 31  رقم  106  ترجمة  سعيد  المهري  و ج 4 / 336  رقم  953  ترجمة  عمر ابن  نعيم  .

(4)  منهج  النقد  :  251  ،  ولاحظ  :  الموطّأ  1 / هاء  ،  وانظر  :  فهرس  الفهارس  :  523  ، وقـد  بالغ  فيه  حيث  قال  :  « وتوهّـم  بعض  العلمـاء  أنّ  قـول  الحـافظ  أبي  عمر  ابن عبـد البرّ  يدلّ  على  عدم  صحّتها  ،  وليس  كذلك  !  إذ  الانفراد  لا  يقتضي  عدم  الصحّة  ، لا  سيّما  من  مثل  مالك »  ؟  !

ــ[7]ــ

« البيان  والتفصيل  لوصل  ما  في  الموطّـأ  من  البلاغات  والمراسيل »(1)  .

أقـول  :

إنّ  تبيّن  اتّصال  الأحاديث  من  طرق  أُخرى  إنّما  يفيد  اعتبار  المتون  ، ولا  يدلّ  على  كون  البلاغات  ـ  نفسها  ـ  متّصلةً  ،  والفرق  بين  الأمرين  واضح  ، فإنّ  صحّة  المتن  لا  يسـتلزم  اتّصال  البلاغ  .

مضافاً  إلى  أنّ  نفس  المحاولة  دليل  على  « انقطاع  البلاغ »  فلو  كان  في نفسه  متّصلاً  ،  لم  يحتج  إلى  الطرق  الأُخرى  .

مضافـاً  إلى  أنّ  تلـك  المحـاولة  إنّمـا  تفيـد  من  يحـتاج  إليهـا  ،  لكونـه لا  يقول  بحجّـيّة  المرسَل  والمنقطع  ،  كمانسب إلى ابن  عبـد البرّ  ،  وليس  مفيداً  حتّى لمالك  نفسه  ،  إذ  هو  يذهب  إلى  حجّـيّة  المرسَل(2)  .

فالمحاولة  لإثبات  اتّصالها  عند  مالك  يائسة  !

وكذلك  محاولة  من  قال  :  « إنّ  بلاغات  الثقات  من  أهل  القرون  الثلاثة مقبولة  ،  مطلقاً  ،  كمالك  ،  وأبي  حنيفة  ،  والشافعي  ،  ومحمّـد  بن  الحسن  ، وأبي  يوسف  ،  وأمثالهم »(3)  .

فمع  كون  الدعوى  خارجة  عن  البحث  ;  لأنّ  قبول  الحديث  وعدمه شيء  ،  وكونه  منقطعاً  شيء  آخر  ،  فهذه  الدعـوى  تعود  إلى  قبول  المنقطـع  ، ولا  تثبـت  اتّصال  البلاغ  .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  فتح  الملك  العلي  ـ  المطبوع  مع  « عليّ  بن  أبي  طالب (عليه السلام)  إمام  العارفين »  ـ  :  119 رقم  32  .

(2)  لاحظ  :  علوم  الحديث  ـ  لابن  الصلاح  ـ  :  55  .

(3)  قواعد  في  علوم  الحديث  ـ  للتهانوي  ـ  :  163  .

ــ[8]ــ

فهي  دعوى  باطلة  ،  لا  يرتضيها  من  قيلت  في  حقّه  ،  فقد  عرفنا  أنّ الشافعي  ـ  وهو  ممّن  ذُكر  اسمه  ـ  لم  يقبل  بعض  البلاغات  ،  وحكم  بعدم كونه  موصولا  .

فهذا  أشبه  بتفسير  الشيء  بما  لا  يرضى  به  صاحبه  .

ومنها  :  محاولة  إخراج  البلاغات  من  الحديث  الضعيف  وإدخالها  في الحديث  الصحيح  :

كما  قال  الزرقاني  في  شرح  الموطّأ  :  إنّ  بلاغ  مالك  ليس  من  الضعيف  ; لأنّه  تُـتُـبِّـعَ  كلّه  فوُجِدَ  مسنداً  من  غير  طريقه(1)  .

فهذا  يشبه  محاولة  إيصال  البلاغات  التي  أجهد  ابن  عبـد البرّ  به  نفسه  ، وقد  أجبنا  عنه  .

مع  أنّ  وجدان  الطرق  المسندة  من  غير  طريق  مالك  ،  لا  تنفع  في الحكم  على  طريقه  .

فهب  أنّ  طرقاً  أُخرى  مسندة  صحيحة  ،  لكنّ  مالكاً  كيف  يتّـكل  على البلاغات  أنفسها  التي  لم  تصله  إلاّ  بالطرق  الضعيفة  ؟  !

وقد  أوغل  أخيراً  الأُستاذ  محمّـد  فؤاد  عبـد الباقي  في  التعصّب  لمالك وبلاغاته  في  ما  علّقه  على  قول  مالك  :  « وقد  بلغني  أنّ  رسول  الله(صلى الله عليه وآله وسلم)  أراد العكوف  .  .  . »  ،  فقال  :  هو  الحديث  الذي  أسنده  أوّلا  صحيحاً  ،  فمن  هنا ونحوه  يُعلَم  أنّه  لا  يطلق  « البلاغ »  إلاّ  على  الصحيح  ،  ولذا  قال  الأئمّة  :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  قواعد  في  علوم  الحديث  :  164  .

ــ[9]ــ

« بلاغات  مالك  صحيحة »(1)  .

أقـول  :

أمّا  هذا  البلاغ  فهو  مرسَـل  مقطوع  ،  قطعاً  ;  لأنّ  بين  مالـك  وبيـن رسول  الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  وسائط  ،  ليست  مذكورة  في  سند  هذا  البلاغ  ،  فهو  ليس مسنداً  هنا   ;  حتّى  لو  قيل  بكون  البلاغات  المعنعنة  متّصلة  .

وأمّا  الحديث  الأوّل  المسنَد  فهو  ليس  بلاغاً  ،  وتطابُق  البلاغ  هنا  مع المسند  الأوّل  في  المعنى  والمتن  ،  لا  يدلّ  بوجه  على  اتّصال  سند  البلاغ  الذي جاء  بلا  طريق  مسند  إلى  المتن  .

مع  أنّك  قد  عرفت  أنّ  صحّة  المتن  من  طرق  أُخرى  لا  تعني  صحّة البلاغ  المرسَل  أو  المنقطع  أو  المعضل  ،  ولا  يصحّ  تسميته  « صحيحاً »  لذاته  .

وقد  عرفت  أنّ  وجود  هذه  البلاغات  المرسَلة  في  « الموطّأ »  هو  الذي سـبّب  الإعراض  عن  عدّ  « الموطّأ »  من  الصحاح  .

وأمّا  ما  نسبه  إلى  الأئمّة  ،  فقد  عرفت  أنّ  منهم  مَن  حكم  بإرسال بلاغات  مالك  ،  أو  انقطاعها  ،  بل  إعضالها  ،  ومنهم  الشافعيّ  إمام  المذهب  ، وابن  حزم  ،  فالنسبة  المذكورة  ـ  بلا  ريب  ـ  باطلة  .

ومن  الطريف  أنّ  ابن  الصلاح  قال  ـ  في  نهاية  بحثه  عن  الحديث الضعيف  ـ  ما  نصّه  :

إذا  أردت  رواية  الحديث  الضعيف  ـ  بغير  إسناد  ـ  فلا  تقل  فيه  :  « قال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  الموطّأ  1 / 317  .

ــ[10]ــ

رسول  الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  .  .  .  وإنّما  تقول  فيه  :  رُوي  عن  رسول  الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  .  .  .  ،  أو  : بلغنا  عنه  .  .  .  ،  أو  :  ورد  عنه  ،  أو  :  جاء  عنه  .  .  . »(1)  .

فليكن  عمل  مالك  على  هذا  في  بلاغاته  .

كما  قد  قيل  :  إنّه  أخذها  من  ابن  إدريس(2)  الذي  لم  يجر  له  ذِكر  في أسانيد  بلاغاته  إطلاقاً  ؟  ؟  !

 

تتميم

 

وقد وقفتُ على كلام لبعض أعلام الزيديّة حول البلاغ نصّوا فيه على هذه النتيجة :

قال الإمام صارمُ الدين : والظ اهرُ في صيغتي التمريض والبلاغ ونحوهما الإرسالُ ، وهي صيغةُ ما لم يُسَمَّ فاعله كيُروَى و يُذكَرُ ورُوِيَ(3)

وعلّق عليه السيّد مجدُ الدين : صيغةُ التمريض نحو (رُوِيَ) والبلاغُ نحو (بَلَغَنا) ونحوهما كـ(نُقِلَ) ممّا يفيدُ عدمَ الاتصال (4)

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  علوم  الحديث  :  103  ـ  104  .

(2)  تهذيب  التهذيب  5 / 145  .

(3)الفلك الدوّار (ص 197).

(4) لوامع الأنوار (2 / 323).

ــ[11]ــ

 

المصادر و المراجع

 

 

1  ـ  الباعث  الحثيث  شرح  اختصار  علوم  الحديث  لابن  كثير  ،  للشيخ  أحمد محمّـد  شاكر  ،  طبع  صبيح  ـ  القاهرة  1370 هـ  .

2  ـ  تهذيب  التهذيب  ،  لابن  حجر  العسقلاني  ( ت  852 هـ )  طبعة  حيدر آباد  ـ  الهند  1325 هـ  .

3  ـ  الجوهـر  النقـي  على  سـنن  البيهقي  ،  لعلاء  الدين  المـارديني  ( ت 745 هـ )  دار  الفكر  ـ  بيروت  .

4  ـ السنن  الكبرى للبيهقي  ،  المطبوع  مع  « الجوهر  النقي »  دار  الفكر  ـ  بيروت  .

5  ـ  صيغ  التحمّل  والأداء  للحديث  الشريف  ،  للسيّد  محمّـد  رضا  الحسيني الجلالي  ،  نشر  في  مجلّة  « علوم  الحديث »  السنة  الأُولى  ،  العدد  الأوّل  ،  ص 84  ـ 182  ،  تصدر  من  كلّية  علوم  الحديث  ـ  طهران  1418 هـ  .

6  ـ  علوم  الحديث  ،  لابن  الصلاح  الشهرزوري  ،  تحقيق  الدكتور  نور  الدين عتر  ،  دار  الفكر  ـ  دمشق  1404 هـ  .

7  ـ  علوم  الحديث  ،  مجلّة  نصف  سنويّة  تصدّرها  كليّة  علوم  الحديث - طهران  العدد  الأول  محرّم  1418  .

8  ـ  الفلك الدوّار في علوم الحديث والفقه والآثار   ،  للسيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير  ،  حققه محمد يحيى سالم عزان ، مكتبة التراث اليمنى ، صعدة - اليمن 1415هـ.

9  ـ  فهرس  الفهارس  والأثبات  ،  للكتّاني  محمّـد  عبـد الحيّ  المغربي  ( ت 1380 هـ )  تحقيق  الدكتور  إحسان  عبّاس  ـ  دار  الغرب  الإسلامي  ـ  بيروت  1402 هـ  .

10  ـ  قواعد  في  علوم  الحديث  ،  للتهانوي  الهندي  ،  تحقيق  أبي  غدّة  ، المطبوعات  الإسلامية  ـ  حلب  1392 هـ  .

11  ـ  لسان  العرب  ،  لابن  منظور  الأنصاري  جمال  الدين  ،  دار  المعارف  ، مصر  ،  في  6  مجلّدات  .

12  ـ  لسان  الميزان  ،  لابن  حجر  العسقلاني  ( ت  852 هـ )  طبعة  حيدر  آباد  ـ الهند  1329 هـ  .

13  ـ  لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار للسيد مجد الدين بن محمد بن منصور الحسني المؤيدي دام عمره ، مكتبة التراث الاسلامي صعدة - اليمن 1414هـ.

14  ـ  المؤمن  ،  للمحدّث  الأقدم  الحسين  بن  سعيد  الأهوازي  ( ق  3 هـ )  طبع مدرسة  الإمام  المهديّ (عليه السلام)  ـ  قم  .

15  ـ  المجموع  ،  شرح  المهذّب  ،  للنووي  .

16  ـ  المحاسن  ،  للبرقي  ،  تحقيق  الأُرموي  ،  دار  الكتب  الإسلامية  ـ  قم  .

17  ـ  المحلّى  بالآثار  ،  لابن  حزم  الأندلسي  .

18  ـ  المصطلح  الرجالي  « أسند  عنه »  ،  للسيّد  محمّـد  رضا  الحسيني الجلالي  ،  مجلّة  « تراثنا »  العدد  الثالث  من  السنة  الأُولى  ،  1406 هـ  .

19  ـ  معجم  ما  استعجم  ،  للبكري  .

20  ـ  منهج  النقد  في  علوم  الحديث  ،  للدكتور  نور  الدين  عتر  ،  دار  الفكر  ـ بيروت  1401 هـ  .

21  ـ  الموطّـأ  ،  لمالك  بن  أنس  الأصبحي  ،  رئيس  المذهب  ( ت  179 هـ )  .

22  ـ  ينابيع  المودّة  ،  للقندوزي  ،  طبع  تركيا  .

ارسال الأسئلة