فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
  1. الوهابيّون والبيوت المرفوعة للشيخ محمّد عليّ السنقريّ الحائريّ
  2. وصول الأخيار إلى أصول الأخبار
  3. الوسيلة العذراء للشاعر عبد الحسين شكر (ت هجري.)
  4. همزيّة التميميّ صالح بن درويش الكاظمي (ت 1261هجري.)
  5. النكت في مقدمات الاصول، في تعريف المصطلحات الكلامية
  6. نثر اللآليْ للطبرسيّ (ت 548 هجري.)
  7. مقدّمتان توثيقيتان للسيد المرعشيّ والسيد المشكاة
  8. مسند الحِبَريّ
  9. مختصر رسالة في أحوال الأخبار
  10. الكلمات المائة للجاحظ (ت 250 هجري. )
  11. فصل الخطاب في ردّ محمّد بن عبد الوهّاب النجديّ
  12. عروض البلاء على الأولياء
  13. عجالة المعرفة في اُصول الدين
  14. شفاء السقام بزيارة خير الأنام عليه السلام
  15. الرعاية في شرح البداية في علم الدراية
  16. الدرة الفاخرة في دراية الحديث
  17. الرسالة الرحمانيّة حول كتابة كلمة (الرحمن)
  18. رسالة الحقوق
  19. رسالة ابي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل أعين
  20. الرجال لابن الغضائري
  21. دفع الشبه عن الرسول والرسالة
  22. الخلاصة في علم الكلام
  23. خاتمة وسائل الشيعة
  24. الحكايات، في الفرق بين المعتزلة والشيعة
  25. الحقوق لمولانا زيد الشهيد عليه السلام
  26. تفسير الحِبَري أو ما نزل من القرآن في علي أمير المؤمنين عليه السلام تفسير بالحديث المأثور
  27. تسمية من قُتِل مع الحسين عليه السلام من ولده واخوته وشيعته
  28. تثبيت الإمامة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
  29. تاريخ أهل البيت عليهم السلام
  30. البداية في علم الدراية
  31. الباقيات الصالحات في أصول الدين الإسلامي عاى المذهب الإمامي
  32. إنجاح المطالب في الفوز بالمآرب
  33. الإمامة والتبصرة من الحَيْرة
  34. أسماء السور القرآنيّة، في مقطوعتين رائعتين في مدح النبيّ صلى الله عليه وآله
  35. الأُرجوزة اللطيفة في علوم البلاغة
  36. الأحاديث المقلوبة و جواباتها
  37. الإجازة الشاملة للسيّدة الفاضلة من الشيخ أبي المجد الأصفهاني للعلويّة الأمينيّة الهاشميّة
  38. آداب المتعلّمين
  39. نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد
  40. نظرات في تراث الشيخ المفيد
  41. المنهج الرجاليّ والعمل الرائد في (الموسوعة الرجالية لسيّد الطائفة آية الله العظمى البروجرديّ 1292 ـ 1380هجري)
  42. المنتقى النفيس من درر القواميس
  43. معجم أحاديث البسملة
  44. الموت أياتهاجاديثه احكامه
  45. القافية والرويّ في الشعر العربيّ
  46. ديوان الإجازات المنظومة
  47. دفاع عن القرآن الكريم
  48. حول نهضة الحسين عليه السلام
  49. الحسين عليه السلام سماته وسيرته
  50. جهاد الإمام السجّاد علي بن الحسين عليه السلام
  51. ثبت الأسانيد العوالي بطرق محمد رضا الحسيني الجلالي
  52. تدوين السنة الشريفة
  53. تحقيق النصوص يبن صعوبة المهمة وخطورة الهفوات، في النقد العلمي
  54. إيقاظُ الوَسْنان بالملاحظات على (فتح المنّان في مقدّمة لسان الميزان)
  55. أنا ـ ترجمة ذاتية للإمام أمير المؤمنين عليه السلام طبقاً للنصوص الموثوقة
  56. الأجوبة السديدة على أسئلة السيّدة الرشيدة
  57. الأجوبة الجلالية على الاسئلة الحلوانية
  58. أبو الحسن العُريضي، علي بن جعفر الصادق عليه السلام ترجمة حياته، ونشاطه العلميّ

المقام الأوّل

المقام الأوّل

 

[أن مطلق الدعاء ليس عبادةً ولا شركاً]

قد ظهر ممّا تقدّم في معنى العبادة والشرك ما يُعرف به فساد ما ادّعاه المتكلّف.

[هل الدعاء عبادة؟]

فقوله: «والدعاء مخّ العبادة...» إلى آخره.

تمويه في استدلاله بالمغالطة الواضحة، وما اكتفى به حتّى بنى عليها قذفه لعباد  الله وموحّديه بالشرك والارتداد، وسعى في خراب العباد والبلاد، فهاك فصيح الجواب عنها بالإشارة إلى موضع تمويهه:

أمّا قوله: «فإنّ الدعاء مُخّ العبادة».

فمسلّم، كما هو المرويّ عن أئمّتنا ـ سلام الله عليهم ـ لكن هذه المغالطة غير مُجدية لدعواه، فإنّه إن جعلها صُغرى لقياسه ; بأن يقول: الدعاء مُخّ العبادة، وكلّ عبادة لغير الله شِرك.

قلنا: وهل يخفى على أحد أنّ قوله ذلك لا يصحّ منه إلاّ قضيّة شخصيّة، وهي دعاء الله، فإنّ دعاءه يكون مخّ عبادته ; من حيث معرفته والالتجاء إليه، والاعتراف بأنّه الإلـه الواحد القادر المطلق.

وأين هذا من دعائي ولدي، وأقول: يا فلان أعطني كذا، أو توسّط لي عند فلان بكذا.

هذا، وإن زعم أنّها كلّيّة ; بمعنى: أنّ كلّ دعاء من كلّ أحد لكلّ أحد في كلّ


(13)

عنوان، هو عبادة له ومخّ العبادة.

فهذا الزعم واضح البطلان، فلينظر إلى أصحابه وعلمائه وأُمرائه، فكم يدعو وينادي الرجل منهم غيره، ويستعين به في حوائجه في حَلّهم وارتحالهم، وسلمهم وحربهم، وقضائهم وسياستهم.

فهل كلّ هذا عبادة لغير الله وشِرْك به؟! وهل كلٌّ منهم مشركون؟!

[الاستغاثة بالوسائط]

وأمّا قوله فيما استشهد به من قول الله في سورة القصص: }فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ{.

فقد دلّت الآية على جواز الاستغاثة بالمخلوق في إبقاء الحياة ; وحفظ النفس من الهلكة; أولغيرذلك من الغايات، كمااستشهدبه هولذلك،وناقض به دعواه الأولى.

وأمّا دعواه جواز حصرها في أمر الدنيا وفيما هو المقدور للعباد من الأحياء بزعمه وقياسه.

فإنّما تردّها الآيات المطلقة التي استدلّ بها على دعواه ; حسبما ادّعاه على أنّ مطلق الاستعانة بالغير والابتهال إليه والتضّرع لديه شرْك به تعالى.

على أنّه يردّها قوله تعالى في غير موضع من القرآن }فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا  اللهَ مُخْلِصِينَ{.

حيث دلّت الآية على لزوم الدعاء إلى الله في قضاء الحاجات، والنجاة من الهلكات منه سبحانه تعالى، وأنّ ما عداه شِرْك مُناف للإخلاص.

وعليه يلزم التناقض بين الآيتين.

ودفعه لا يكون إلاّ بدعوى: أنّ الاستعانة بالغير على وجه الاستقلال والاستبداد ـ بإلغاء ذي الواسطة ـ فيكون شركاً مُنافياً للعبادة والخلوص، كما تقدّم في معنى الشرك.


(14)

وهذا من غير فرق بين جعل الواسطة في الأُمور المتعلّقة بهذه النشأة أو غيرها ; حيث إنّ الشرك حرام شرعاً وقبيح عقلا، وحكم العقل ليس قابلا للتخصيص ولا التبعيض، وقد قَبِله الشرع مع اتّحاد المناط في الحرمة.

[أدلة المنع من الاستشفاع]

فدعوى المتكلّف: أنّ الاستشفاع بغير الله شرك، مستدلاّ:

تارة بقوله: }مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بِإذْنِهِ{.

وأخرى بقوله تعالى: }وَلاَ يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَن اِرْتَضَى{.

ومرّة بقوله تعالى في سورة سبأ:

}وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ{.

وتارة بقوله تعالى في سورة طه: }يَوْمَئِذ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً{.

وأُخرى بقوله تعالى: }مَا نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى{.

إلى آخر ما استشهد به لدعواه.

[الردّ على ذلك]

فقد يردّها: أنّ الشفاعة من المعاني النسبيّة القائمة بالطرفين، نظير العقود والمعاملات القائمة بالموجب والقابل، فمتى لم يرضَ المُشفِّع، كما لو لم يشفع الشفيع، تقع الشفاعة لغواً.

فعدم الشفاعة تارة لفقد المقتضي، أعني قابليّة الشفيع للشفاعة، أو المشفَّع له.

أو لوجود مانع هناك ; أعني بلوغ المعصية إلى حدّ تمنع عنها حسبما نراه في المتعارفات الخارجية.


(15)

[الأدلة على جواز الشفاعة]

مضافاً إلى دلالة غير واحدة من الآيات عليه، مثل قوله: }إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح {الآية، حيث نهى الله نبيّه من الشفاعة في ولده ; لأنّه قد بلغ في المعصية والمخالفة مالا تصحّ معها الشفاعة له.

ومثله قوله تعالى: أمّا في المنافقين ففي موضعين من القرآن:

أحدهما: في سورة براءة  (التوبة): }إنْ تَسْتَغفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ{.

والأُخرى: في سورة المنافقين قوله تعالى: }سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ{.

وأمّا في المشركين فقوله تعالى في سورة براءة  (التوبة): }مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ{، فتأمّل في قوله }مِنْ بعْدِ مَا تَبَيَّن{ ولا تغفل.

وقال بعض المفسّرين في قوله تعالى في سورة المدثّر: }فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ{: إنّ معناه لا شافع ولا شفاعة، فالنفي راجع إلى الموصوف والصفة معاً، والآية من باب }لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً{ من حيث إنّها سالبة بانتفاء الموضوع.

بل، وإذا اشتدّ المانع تجافى الشفيع عن الشفاعة.

وربّما ينقلب الشفيع خصيماً، كما في سورة نوح قوله تعالى: }رَبِّ إنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً{، وهذا معنى قوله: }وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى{ وقوله: }مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ{، فمتى صحّ الإذن صحّت الشفاعة، ومتى لم يأتِ الإذن تقع الشفاعة لغواً، والطلب من المشفَّع له باطلا.

وهذا لا دخل له بحديث الشرك وتضمّن بعض الآيات غايتها الدالة على أنّ العبادة للشفيع بإزاء شفاعته يكون شركاً باطلا، لا أنّ جعل الشفيع يكون كفراً وارتداداً.


(16)

بل يكون أمراً راجحاً يحكم به ضرورة العقل، فضلا عن الشرع، كما سيجيء بيانه في المقام الثاني.

[استدلال آخر لنفي الشفاعة]

وأمّا الجواب عن [استدلاله بـ ] قوله تعالى في سورة مريم: }لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً{.

فليس في ظاهر الآية أنّ المقصود منها خصوص أنّ المجرمين لا يملكون الشفاعة لغيرهم، أو خصوص أنّهم لا يملكون شفاعة غيرهم لهم.

لأنّ المصدر كما يجوز ويحسن إضافته إلى الفاعل، كذلك يجوز ويحسن إضافته إلى المفعول.

إلاّ أن نقول: إنّ حمل الآية على الوجه الثاني أولى ; لأنّ حملها على الوجه الأوّل يجري مجرى إيضاح الواضحات، فإنّ كلّ أحد يعلم أنّ المجرمين الذين يُساقون إلى جهنّم وِرْداً، لا يملكون الشفاعة لغيرهم، فتعيّن حملها على الوجه  الثاني.

[الآية صريحة في إثبات الشفاعة]

بل الآية صريحة في الاستدلال بها للشفاعة لأهل الكبائر لقوله تعالى: }إلاَّ مَنِ اتَّخَذَ{ فكلّ من اتّخذ عند الرحمن عهداً بالتوحيد والإسلام أو الإيمان بالله، فهو ممّن يجب أن يكون داخلا تحت هذه الآية، فالآية بظاهرها حجّة عليهم، لالهم.

[التقرّب بالأصنام]

وأمّا قوله تعالى عن المشركين في سورة الزمر: }مَا نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى{.


(17)

فلوضوح أنّ المذمّة واللوم لم تكن على اعتقاد الشفاعة أو التقرّب إلى الله زُلفى، بل على العبادة الحقيقيّة منهم لأصنامهم، بأنّ لهم مع الله تعالى التصرّف الاستقلالي في الأكوان، وعلّلوها: بأنّا لا نقدر على عبادة الله، فنكتفي بعبادة هؤلاء الأصنام.

[الآيات المانعة عن الاستشفاع خاصة]

وأمّا الجواب عن [الاستدلال بـ ]سائر الآيات كلّها:

أنّها مختصّة بالكفّار ; جمعاً بينها وبين الأدّلة.

فإنّها بين ما سيقت لذلك، ولدفع توهّم الاستقلال بالشفاعة، مع بيان عظمة الله وكبريائه، وأنّه لا يُدانيه أحد ليقدر على تغيير ما يريده شفاعة وضراعة ; فضلا عن أن يدافعه عناداً أو مناصبة.

كما في قوله تعالى: }مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإذْنِهِ{.

فالآية مُثبتة للشفاعة، و نظيرها الآيات السابقة التي استدلّ بها المتكلّف.

وتؤكّدها الاستثناءات الكاشفة عن ثبوتها.

قال الرازي في قوله تعالى: }مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ{: استفهام معناه الإنكار والنفي، أي لا يشفع عنده أحد إلاّ بأمره، وذلك أنّ المشركين كانوا يزعمون أنّ الأصنام تشفع لهم، وقد أخبر الله عنهم: أنّهم يقولون: هؤلاء شفعاؤنا، ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى الله زُلفى.

فأخبر الله أنّه لا شفاعة عنده لأحد إلاّ من استثناه الله بقوله: }إلاّ بإذنه{.

ونظيره قوله في سورة النبأ: }يَوْمَ يُقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَ يَتَكَلَّمُونَ إلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقَالَ صَوَاباً{ إنتهى.

وفي سورة النجم: }وَكَمْ مِنْ مَلَك فِي السَّمَواتِ لاَتُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ إلاّ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى{.


(18)

وبين ما نزلت ردّاً للمشركين من عَبَدة الأصنام، ورغماً عمّا كانوا يزعمونه من الشفاعة لآلهتهم.

كما في سورة بني إسرائيل (الإسراء): }قلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلا{.

وكما في سورة سبأ في قوله تعالى: }قُلِ ادْعُو الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة{ إلى قوله: }وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلاَّ{.

وَكَما في قوله تعالى في سورة الزمر: }أَم اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَ لَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ * قُلْ للهِِ الشَّفَاعَةُ{.

والعجب من المتكلّف حيث أعجبه التمسّك بهذه الآية في منع الاستشفاعات في غير موضع من كتابه.

وهي كما ترى، والمغالطة في إسقاطهم لصدر الآية كما عرفت.

ومثلها ما في سورة يونس: }وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَالاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ{.

وفي سورة الروم: }وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الُْمجْرِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ{.

وفي سورة الأعراف: }يَوْمَ يَأتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا{.

وفي سورة الكهف: }وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً{.

وفي سورة الأنعام }وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةِ بَاسِطُوا أَيدِيهُمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ...{ إلى قوله: }وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكَاء{ إلى غيرها فانها صريحة وافية للمقام.

وبين ما سيقت للردّ على مقالة اليهود ; حيث قالوا: نحن أبناء الأنبياء، وآباؤنا


(19)

يشفعون لنا.

فأجابهم الله بقوله تعالى في سورة البقرة: }وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ{.

وقال تعالى في هذه السورة: }وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ{.

قال المفسّرون: إنّ حكم هذه الآيات مختصّ باليهود ; حيث قالوا: نحن أبناء الأنبياء وآباؤنا يشفعون لنا، فآيسهم الله من ذلك، فخرج الكلام مخرج العموم، والمراد به الخصوص.

أقول: وهب أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصيّة السبب، إلاّ أنّ تخصيص مثل هذا العامّ بمثل هذا السبب المخصوص، ممّا يكفي فيه أدنى دليل ; وكيف بالدلائل القطعيّة القائمة للشفاعة؟! فيخصّص بها قطعاً.

فسقط الاستدلال بالنكرة في سياق النفي تارة.

وبعدم الانتصار اُخرى.

وبعدم إجزاء نفس عن نفس ثالثة.

وهكذا الكلام في نظائرها.

وبين ما سيقت لبيان شدّة الموقف وأهواله، وأنّه ـ يومئذ ـ لا ينفع الكفّار بيعهم وخلّتهم وشفاعتهم ـ بعضهم ـ في دفع العذاب عن خليله أو مولاه:

مثل ما في سورة الدخان قوله تعالى: }يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ{.

وقوله في سورة البقرة: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ{.

قال الرازي: لما قال: }وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ{ أوهم ذلك ـ أي ألخُلّة والشفاعة مطلقاً ـ فذكر تعالى عقيبه: }والْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ ليدلّ على أنّ ذلك النفي


(20)

مختصّ بالكافرين، وعلى هذا التقدير تكون الآية دالّة على إثبات الشفاعة في حقّ الفسّاق.

وبين ما لبيان أنّ الشفاعة الثابتة مختصّة بالمرضيّين:

كقوله تعالى في سورة طه }يَوْمَئِذ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا{.

وقوله تعالى: }وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى{ أي لمن ارتضى الله دينه، وسيأتي بيانه.

أو لبيان أنّ المجرمين غير قادرين على الشفاعة إذ لا يملكونها:

كما في سورة مريم قوله تعالى: }وَنَسُوقُ الُْمجْرِمِينَ إلَى جَهَنَّمَ وِرْداً * لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ{ ألا تنظر إلى قوله بعده: }إلاَّ مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً{ إلى غير ذلك.