■ [ ١ ]المسائل التي سألها الشيخ أبو جعفر الطوسي بخطه رحمة الله
■ [ ٢ ]مسائل العويص
■ [ ٣ ]رسالة المتعة للشيخ المفيد
■ [ ٤ ]أحكام النساء- الشيخ المفيد
■ [ ٥ ]تحريم ذبائح أهل الكتاب
■ [ ٦ ]المسح على الرجلين
■ [ ٧ ]رسالة في المهر
■ [ ٨ ]جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية
■ [ ٩ ]رسالة حول خبر مارية
■ [ ١٠ ]سلسة مؤلفات الشيخ المفيد
■ [ ١١ ]مسألة في النص على علي عليه السلام
■ [ ١٢ ]- رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد -
■ [ ١٣ ]الرسالة الثانية في الغيبة
■ [ ١٤ ]الرسالة الثالثة في الغيبة
■ [ ١٥ ]الرسالة الرابعة في الغيبة
■ [ ١٦ ]أقسام المولى في اللسان
■ [١٧]رسالة في معنى المولى
■ [ ١٨ ]شرح المنام
■ [ ١٩ ]الإشراف
■ [٢٠]سلسلة مؤلفات - الشيخ المفيد
■ [٢١]مسألة في الارادة
■ [٢٢]عدم سهو النبي صلى الله عليه وآله
■ [٢٣]سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد
■ [ ٢٤ ]مسألة في النص على علي عليه السلام
■ [ ٢٥ ]رسالة حول الحديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث
- الوهابيّون والبيوت المرفوعة للشيخ محمّد عليّ السنقريّ الحائريّ
- وصول الأخيار إلى أصول الأخبار
- الوسيلة العذراء للشاعر عبد الحسين شكر (ت هجري.)
- همزيّة التميميّ صالح بن درويش الكاظمي (ت 1261هجري.)
- النكت في مقدمات الاصول، في تعريف المصطلحات الكلامية
- نثر اللآليْ للطبرسيّ (ت 548 هجري.)
- مقدّمتان توثيقيتان للسيد المرعشيّ والسيد المشكاة
- مسند الحِبَريّ
- مختصر رسالة في أحوال الأخبار
- الكلمات المائة للجاحظ (ت 250 هجري. )
- فصل الخطاب في ردّ محمّد بن عبد الوهّاب النجديّ
- عروض البلاء على الأولياء
- عجالة المعرفة في اُصول الدين
- شفاء السقام بزيارة خير الأنام عليه السلام
- الرعاية في شرح البداية في علم الدراية
- الدرة الفاخرة في دراية الحديث
- الرسالة الرحمانيّة حول كتابة كلمة (الرحمن)
- رسالة الحقوق
- رسالة ابي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل أعين
- الرجال لابن الغضائري
- دفع الشبه عن الرسول والرسالة
- الخلاصة في علم الكلام
- خاتمة وسائل الشيعة
- الحكايات، في الفرق بين المعتزلة والشيعة
- الحقوق لمولانا زيد الشهيد عليه السلام
- تفسير الحِبَري أو ما نزل من القرآن في علي أمير المؤمنين عليه السلام تفسير بالحديث المأثور
- تسمية من قُتِل مع الحسين عليه السلام من ولده واخوته وشيعته
- تثبيت الإمامة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
- تاريخ أهل البيت عليهم السلام
- البداية في علم الدراية
- الباقيات الصالحات في أصول الدين الإسلامي عاى المذهب الإمامي
- إنجاح المطالب في الفوز بالمآرب
- الإمامة والتبصرة من الحَيْرة
- أسماء السور القرآنيّة، في مقطوعتين رائعتين في مدح النبيّ صلى الله عليه وآله
- الأُرجوزة اللطيفة في علوم البلاغة
- الأحاديث المقلوبة و جواباتها
- الإجازة الشاملة للسيّدة الفاضلة من الشيخ أبي المجد الأصفهاني للعلويّة الأمينيّة الهاشميّة
- آداب المتعلّمين
- نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد
- نظرات في تراث الشيخ المفيد
- المنهج الرجاليّ والعمل الرائد في (الموسوعة الرجالية لسيّد الطائفة آية الله العظمى البروجرديّ 1292 ـ 1380هجري)
- المنتقى النفيس من درر القواميس
- معجم أحاديث البسملة
- الموت أياتهاجاديثه احكامه
- القافية والرويّ في الشعر العربيّ
- ديوان الإجازات المنظومة
- دفاع عن القرآن الكريم
- حول نهضة الحسين عليه السلام
- الحسين عليه السلام سماته وسيرته
- جهاد الإمام السجّاد علي بن الحسين عليه السلام
- ثبت الأسانيد العوالي بطرق محمد رضا الحسيني الجلالي
- تدوين السنة الشريفة
- تحقيق النصوص يبن صعوبة المهمة وخطورة الهفوات، في النقد العلمي
- إيقاظُ الوَسْنان بالملاحظات على (فتح المنّان في مقدّمة لسان الميزان)
- أنا ـ ترجمة ذاتية للإمام أمير المؤمنين عليه السلام طبقاً للنصوص الموثوقة
- الأجوبة السديدة على أسئلة السيّدة الرشيدة
- الأجوبة الجلالية على الاسئلة الحلوانية
- أبو الحسن العُريضي، علي بن جعفر الصادق عليه السلام ترجمة حياته، ونشاطه العلميّ
[ 5 ]
تحريم ذبائح أهل الكتاب
تأليف الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان ابن المعلم ابي عبد الله العكبري البغدادي
( 336 - 413 ه )
بسم الله الرحمن الرحيم
هبط الاسلام - آخر الديانات الإ لاهية - على أرض الحجاز القاحلة ? ومنذ اللحظة الاولى كانت لنبيه الكريم صلى الله عليه وآله ? من المتدينين المتواجدين في المنطقة - سواء الحنفاء أم المنتمون إلى الشرائع السماوية السابقة مواقف متميزة . فهم - على ما كانوا عليه من جهل وانحراف - قد كانوا أقرب إلى ما جاء به الإسلام من سائر العرب المشركين ? فهم يجتمعون مع هذا الدين الجديد على بعض الخطوط ? ويتفقون معه في بعض الألفاظ ? ويشتركون معا في بعض المفاهيم ? ويلتقون عند بعض النقاط الغيبية . ولقد كانت على أيدي انبياء الله المرسلين عليهم السلام ? بذور الدين منتثرة هنا وهناك ? وهم بقايا جهودهم عليهم السلام . والملتزمون بالأديان السابقة كانوا على مستويات مختلفة ? ولهم إمكانات متفاوتة ? وتطلعات متغايرة فالحنيفية الإبراهيمية أقلها عددا وشوكة ? واليهودية أشدها تزمتأ وتقوقعا، والمسيحية اكثرها عددا وانفلاتا.
ففي مكة كانت الحنيفية محدودة العناصر ? في أفراد يشار إليهم بعدد الأصابع ? بينهم آباء النبي صلى الله عليه وآله وامهاته ? كانوا أسبق المتدينين الى اعتناق الإسلام . إلا أن أهل الديانات الاخرى تلكؤوا في الالتحاق بالدين الجديد ? اعتزازا بمواقعهم ? أو اغترارا بما عندهم ? ولم يقفوا من الاسلام موقفا يتحلى بالانصاف . بينما كان المتوقع أن يبتهجوا بهذه الحركة الإلهية الجريئة التي قام بها نبي الإسلام ? مقتحما حصون الجاهلية العربية بما فيها من جهل وشرك وفساد ? مناديا في ديارها بالتوحيد والإيمان ? متحملا كل الأخطارو الأهوال في هذا السبيل ? واضعا لحياته في مهب حقدهم وعدوانهم وهجماتهم العسكرية ? وهو يدعو إلى ما يلتزمون به ويؤكد على اصول عقائدهم وقضاياهم . ومن جانب أخر ? فإن كتبهم السماوية مشحونة بالتبشير به ? فما أحسن هذه الفرصة ? كي يلتفوا حوله ? ويتكاتفوا معه ليزيحوا الجاهلية بكفرها وعتوها وفسادها من الارض ويثبتوا ( كلمة الله العليا ) وينشروا الهداية .
لكنهم - أي أهل الكتاب - بدلا من ذلك ? اتخذوا مواقف عدائية ضد الإسلام ? بل ? تواطؤوا مع أهل الكفر والشرك ? ضد الاسلام ونبيه الكريم صلى الله عليه وآله ! ومع كل هذه التصرفات المنافية لأ بسط قواعد الحق ? وأوضح مسائل التدين ? فإن الاسلام ? وعلى صفحات قرآنه ? ولسان نبيه ? لم يعامل أهل الكتاب إلا بشكل متميز . فقد فتح أمامهم أبواب الحوار الفكري والعقيدي ? ودعاهم إلى ( كلمة سواء ) .
بينما كانت الدعوة لغيرهم الى الاسلام فقط ? بعد الاقناع والتوعية ? واختيار حياة الاسلام أو موت الكفر والعناد . أما أهل الكتاب ? فكانوا مخيرين بين اختيار الاسلام ? أو البقاء على دياناتهم ! بشروط المواطنة الصالحة ? والالتزام بقوانين الدولة العامة ? المعروفة بشروط الذمة . أما بالنسبة إلى عقائدهم وأفكارهم وشرائعهم ? فإن الاسلام أكد على الحق منها ? ودعا إليه ? ورفض ما طالته أيدي التحريف ? التجاوز .
ومن تلك الأحكام ? مسألة ( ذبح الحيوان للأكل ) : فإن شرائع السماء قررت قوانين وشروطا معينة ? للحيوان الذي يأكله الإنسان ? في نوعيته ? وفي كيفية قتله . ومن الشروط الأساسية ? أن يذكر اسم ( الله ) عليه عند ذبحه .
وقد وافق أهل الكتاب ? شريعة الإسلام ? في أصل هذا الشرط ومجمل ما قررته الشريعة .
لكن فقهاء المسلمين اختلفوا في ( ذبائح أهل الكتاب ) هل يحل أكلها للمسلمين ? أولا ? وأساس هذا الخلاف هو : هل أن تسمية أهل الكتاب على ذبائحهم ? صحيحة يمكن اعتبارها ? أولا ? فقولهم : ( باسم الله ) هل يقصدون به : اسم ( الإله الواحد الأحد ? الفرد الذي لم يلد ولم يولد ? ولم يكن له كفوأ أحد ) هذا المسمى الذي هو شرط الذبح عند المسلمين ? بينما أهل الكتاب : النصارى منهم يقولون بالتثليث ! واليهود منهم يقولون : ( عزير ابن الله ) جل وعلا ! !
فهم لا يعتقدون بالمسمى الذي هو الحق ? وإن تلفظوا باسمه ? بل هم يكفرون ? وإن ادعوا الإيمان ? وتميزوا عن الكفار المشركين بهذا الإدعاء ? وبالارتباط بشريعة وكتاب ? لكن عقائدهم تلك لا تجعل التسمية الصادرة منهم ? هي التسمية المطلوبة الصحيحة المشروطة في حلية المذبوح ! وليس المراد بالتسمية مجرد اللفظ ? وذكر الاسم فقط ? من دون إرادة المعنى ? والمسمى الحق .
وقد ذهب جمهور فقهاء الشيعة الإمامية الى الحكم بحرمة ذبائح أهل الكتاب ? ووافقهم بعض فقهاء العامة .
أما جمهور فقهاء العامة فيقولون بحلية ذبائح أهل الكتاب وهو مذهب بعض الشيعة ? ومستند العامة في ذلك أمران :
الأول : أن ظاهر حال أهل الكتاب هو معرفة الله ? ووصفه بالتوحيد ? فيكتفى بهذا الظاهر ? حتى يعلم خلافه .
الثاني : قوله تعالى : ( وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم ) في سورة المائدة ( 5 ) الآية : 6 .
وقد أجاب الشيعة عن ذلك :
أما الأول : فبأن اليهود والنصارى - وإن كانوا على ظاهر الاعتقاد بوجود الله ? ويقول قوم منهم بتوحيده ? إلا أن ذلك يخالف في تفاصيله المعتقد الحق الذي عليه المسلمون ? وقد ثبت في كتب العقائد انحرافهم عن الحق ? والتزامهم بالباطل ? وكفاهم كفرا وخروجا : إنكارهم لنبوة الرسول صلى الله عليه وآله وما جاء به من القرأن وأحكامه . فكيف يلتزم بإيمانهم الاسمي ? ومعتقدهم الظاهري في الله ? مع أنهم لا يقصدون بهذا الاسم ? ما يعتقده المسلمون من الحقّ!?.
واما الثاني ? فقد أجابوا عنه بجوابين :
أولا : قال قوم بأن المراد بأهل الكتاب في الأية هم الذين آمنوا بالإسلام ممن كانوا يهودا أو نصارى ? وإنما اطلق عليهم اسم ( أهل الكتاب ) باعتبار صفتهم السابقة كما يطلق المشتق على ما انقضى عنه المبدأ .
وثانيا : وقال قوم بأن المراد بالطعام المذكور في الأية هو خصوص الحبوب ? من المزروعات ? دون اللحوم من الحيوانات ? وهذا وارد في بعض الحديث أيضا . هذا ? ولكن الدليل الأساسي عند فقهاء ? الشيعة هو الأحاديث المتضافرة ? الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ? الدالة على النهي عن أكل ذبائح أهل الكتاب .
هذا موجز ما فصله الشيخ المفيد قدس الله سره في هذه الرسالة ? التي تتميز - بعد كونها واحدة من ذخائر تراثنا الغالي - بالمزايا التالية .
1 - فهي واحدة من كتب الشيخ الفقهية على منهج الفقه المقارن فنجده يقدم نظر المخالفين ? بكل أدلتهم ? وعلى اختلاف الاحتمالات ويفصل الرد عليهم جزءا فجزءا . ثم يستدل على الحق الذي يراه ? بالقرآن ? حسب ما يدل على ظاهر الألفاظ الواردة فيه ? ومفهومها اللغوي العرفي . ثم يستند الى الثوابت الفقهية ? التي تعطي القطع بالملاكات والمدارك المعتمدة عند الفقهاء . ثم يرد دعوى توحيد أهل الكتاب الذي استند إليه الخالفون .
2 - يستعمل في ردّ المخالفين أدلتهم المعتمدة عندهم ? وطرق استدلالاتهم الخاصة بهم ? وإن لم تكن صحيحة عند المؤلف : مثل ما عمله في الفصل الثالث ? حيث رد على القول بجواز ذبائح أهل الكتاب بدعوى التزامهم بالتوحيد .
فردهم بأنه قول مخالف لاتفاق العامة أنفسهم ? وقول بالفصل بينهم إذ هم لا يفرقون بين من يعتقد التوحيد من أهل الكتاب ومن لا يعتقد ذلك ! والقول بالفصل ? خلاف الاجماع المركب ? لانه خرق له .
وفي الفصل السادس ? يحاول رد الحكم بحلية ذبائح أهل الكتاب ? متمسكا بالقياس الذي يقول به العامة أنفسهم .
3 - احتواؤها على الأحاديث الدالة على الحرمة ? وقد ذكر منها عشرة باسانيدها ومتونها ? ولهذا أثره في دعم ما ورد في المجاميع الحديثية بالتصحيح .
كما أن الشيخ أكد على هذه الأحاديث بأنها مما ( ورد من الطرق الواضحة ? بالأسانيد المشهورة وعن جماعة بمثلهم - في الستر والديانة والثقة والحفظ والأمانة - يجب العمل ? وبمثلهم في العدد يتواتر الخبر ) .
وبهذا النص يمكننا استخلاص آراء الشيخ في المجالات التالية :
1 - المنهج الرجالي الذي اعتمده الشيخ .
2 - رأيه في الخبر المتواتر ? وما به يحصل التواتر .
3 - وجوب العمل بالأخبار ? إذا كانت مثل هذه في وضوح الطرق واشتهار الاسانيد 4 - اعتماد الشهرة السندية .
5 - يمكن اعتبار ذلك توثيقا عاما لرواة الأحاديث التي وردت بحرمة ذبائح أهل الكتاب ? وعلى الأقل هذه التي ذكرها الشيخ في هذه الرسالة .
والذي ينبغي أن نختم به هذه النظرة ? هو ما ذهب إليه بعض الشيعة من القول بحلية ذبائح أهل الكتاب ? فقد ذهب بعض أصحابنا إلى ذلك استنادا إلى روايات دلت عليه : وقد ختم الشيخ المفيد رسالته بتوجيه تلك الروايات ? بعد وصفه لمن تعلق بها ب ( شذّاذ أصحابنا في خلاف مذهبنا) فذكر لذلك وجهين :
الاول : حمل أخبار الحلية على ( التقية من السلطان ? وإشفاق الإمام عليهم السلام من أهل الظلم والطغيان ? إذ القول بتحريمها خلاف ما عليه جماعة الناصبية ? وضد لما يفتي به سلطان الزمان ? ومن قبله من القضاة والحكام ) .
الثاني : إن التحليل إنما جاء في الحديث لذبيحة من أسلم من أهل الكتاب وأقر بالتوحيد ? بقرينة رواية معاوية بن وهب ? حيث قال في من حكم بحليه ذبيحته من أهل الكتاب - : أعني من يكون على أمر موسى وعيسى . فإن اتباع موسى وعيسى ? بصورة صحيحة ? يؤدي إلى اتباع النبي محمد صلى الله عليه والله ? والإيمان بشريعته التي اشترط فيها أن يذكر الذابح اسم الله الواحد الذي لا شريك له . أما ما جاء في الرواية الثالثة من روايات التحريم التي أوردها الشيخ ? وهي رواية شعيب العقرقو في الذي سمع الإمام الصادق عليه السلام ينهى عن أكل ذبائح أهل الكتاب . قال شعيب : فلما خرجنا من عنده ? قال لي أبو بصير : كلها فقد سمعته وأباه - جميعا - يأمران بأكلها . ثم سأل الأمام عن ذلك ? فقال : لا تأكلها .
قال شعيب : فقال لي أبو بصير : كلها ? وفي عنقي .
فسأل الامام ثانية ? فقال : لا تأكلها . فقال أبو بصير : سله ثالثة . قال شعيب : فقلث : لا أساله بعد مرتين .
فالذي يظهر لأول وهلة أن أبا بصير بإظهار رأيه في قبال كلام الإمام عليه السلام - اوّلا - ثم ?إصراره على رأيه المخالف ثانيا وثالثا ? يعارض مكررا ما يظهر من كلام الإمام عليه السلام في التحريم ?
فيتصور فيه تجاوزه عن حد الأب مع الإمام عليه السلام على أقل الفروض ! وقد حاول الحجة المفضال السيد عبد الرسول الشريعتمدار الجهرمي أن يوجه عمل أبي بصير بما ملخصه : أن أبا بصير كان قد سمع الباقر عليه السلام في عصره ? وسمع الصادق عليه السلام في أوائل عهده ? يأمران بكل ذبائح أهل الكتاب ? وحيث أن في تلك الفترة ? كان الوضع مؤاتيأ للأئمة عليهم السلام أن يعلنوا عن الحقائق الدينية باعتبارها فترة ضعف بني امية وانشغالهم عن مسائل الدين بأنفسهم فلم يكن ذلك العهد ? عهد تقية أو خوف ? بل عهد نشر العلم ? الاعلان ( عن مرّ الحقّ ) كما في بعض النصوص .
فحمل أبو بصير ذلك التحليل على الحكم الواقعي ? وحمل ما ?معه الآن ? وفي نهاية عصر الصادق عليه السلام حيث عاد الملوك إلى سيرتهم الأولى في الضغط على الأئمة عليهم السلام ? حمله على التقية والحكم الظاهري ? وجعل ما سمعه أولا قرينة على هذا .
وهذا التصرف من أبي بصير يعتبر نوعا من إعمال الاجتهاد ? والترجيح
بين الروايات ? في عصر حضور الأئمة عليهم السلام . ويظهر من سكوت الأئمة عليهم السلام عن أبي بصير ? وتصرفاته هذه ? بل والإصرار على الإرجاع إليه مع علمهم بهذه التصرفات الاجتهادية ? يظهر من ذلك رضاهم عليهم السلام بأمثال هذه الاجتهادات ? وعدم معارضتهم لها ? والتزامهم بإجزاء العمل على طبقها .
أقول : هذا ما أفاده السيد المحقق دام ظله في رسالته ( حول الاجتهاد ? الأخبار ) .
لكن تصرف أبي بصير في نهي الإمام عليه السلام في هذه الرواية بالحمل على التقية غير ممكن : لأن التقية إنما تصدق فيما إذا كان حكم الامام عليهم السلام موافقا للعامة بينما الحكم الأول الذي سمعه أبو بصير هو الموافق للعامة ? وما ذكره في رواية شعيب هذه مخالف لهم ? فكيف يخفى مثل ذلك على أبي بصير الفقيه الكبير ? فيحمل هذا الأخير على التقية .
ولذلك نرى الشيخ المفيد - في هذه الرسالة - قد حكم على رواية الجواز بالتقية . والذي أراه أن أبا بصير كان يرى حمل النهي عن الأكل على خصوص بعض الأفراد ? أو على الكراهة ? عملا بما سمعته من رواية الأمر بالأكل ? جمعا بين الحكمين ? وعملا بالروايتين . وهذا - أيضا - نوع من إعمال الاجتهاد .
فحمل رواية الحل ? على ذبائح طائفة من أهل الكتاب ? وهم الذين اعتنقوا الإسلام ? لقربهم من المراكز الاسلامية الكيرى ? أما الذين بقوا على اليهودية والمسيحية فذبائحهم محرمة ? كأهل الجبل البعيدين عن المراكز العلمية ويؤيد هذا الحمل رواية معاوية بن وهب - التي أوردها الشيخ أخيرا - المتضمنة لحكم الإمام عليه السلام ? وقد سأله عن ذبائح أهل الكتاب ? فقال عليه السلام : لا بأس ? إذا ذكروا اسم الله عزوجل ثم قال عليهم السلام : وإنما أعني منهم من يكون على أمر موسى وعيسى . . فكونهم على أمر موسى وعيسى ? يعني اعتقادهم بالحق الذي جاءا به ? بما فيه التبشير بدين الاسلام والايمان بنبيه محمد صلى الله عليه وآله . وهذا التوجيه هو الذي ذكره المفيد - كما مر - وجها ثانيا لرواية الجواز ? في نهاية هذه الرسالة ? التي هي - على اختصارها - أجمع ما ألف حول الموضوع ? واحسم كتاب لشفأفة النزاع فيه .
ونحمد الله على توفيقه ? ونسأله الرضا عنا بفضله وإحسانه والعفو عنا بكرمه وجلاله ? إنه ذو الجلال ? الإكرام. وكتب
السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي